لا نستطيع انكار ظاهرة العنف المتفشى فى سيناء هذة الايام سواء ما بين الاهالى والأجهزة الأمنية أو بين الاهالى بعضهُم البعض , ايضاً لا نستطيع المبالغة فى وصف هذة الحالة بأننا اصبحنا على مشارف حرب اهلية طاحنة. نكون بذلك بين الانكار والمبالغة وقفنا موقفين خاطئين تماماً وعلى مسافة بعيدة جداً من الواقع بحيث لا نستطيع تحديد اسباب ودوافع هذة الظاهرة الغريبة على مُجتمعنا السيناوى المُسالم بطبعة والمحكوم بقوانينة العرُفية فى صيانة العقد الاجتماعى والنسيج القبلى بين القبائل بعضها ببعض مما كان يُخرج الصورة الرائعة لبداوة سيناء وكنّا نفخر بذلك , بدواً وحضراً
السؤال ... هل يوجد عنف فى سيناء ؟ ... الجواب ببساطة نعم
ولكن يظل السؤال الأهم والمُقلق... لماذا هذا العنف تفجّر وبهذة الطريقة ؟ .. اسبابة ودوافعة
وفى رأى المتواضع وبعيداً عن شيزوفرنيات العصر والمتعصّرين , ان الدولة هى المسئول الأول والاخير عن هذا العنف , عندما تخلت عن دورها الاساسى فى اقامة مجتمع مدنى متحضر يتساوى فية كل الناس امام القانون , عندما انشغلت اجهزة الامن عن المواطن وصار شغلها الشاغل هى حماية العرش والجالسين علية , عندما ابتعدت عن هموم المواطن وقلبت الشرطة شعارها من خدمة الشعب الى خدمة الحاكم .... هنا انفرط العُقد الاجتماعى فتفشت ظواهر غريبة على مجتمعنا المصرى كلة وكان لسيناء النصيب الاكبر .
سيناء ليست بعيدة عن القاهرة ... ليس بالمسافات فقط تقاس السياسات , فعندما تقُرر فى القاهرة ينفذ الامر فى سيناء .. تحديداً عندما تنتشر البطالة فى القاهرة يكون لسيناء ايضاً نصيبها , وعندما يستفحل الفقر والجهل والمرض والفساد فى انحاء الدولة, للأسف يكون لسيناء دائماً نصيب الاسد , وعندما يتصاعد السُعار الجنسى بين الشباب فى ميادين القاهرة تكون طلقات الرصاص تدوى فى سيناء , عندما تغيب العدالة يذهب الامن الاجتماعى فى غيبوبة تامة
هذة حالة عامة لا أريد الخوض فيها , المُتهم فى القاهرة هو المواطن , وفى سيناء تُلقى باللائمة على البدو دون الأخذ فى الاعتبار الأسباب الحقيقية وراء اى عنف ,حيث ان التنمية الشاملة , والتعليم , والصحة فى سيناء وتكافؤ الفرص ما هى إلا اسباب ظاهرية فقط حالها حال الوطن كلة, اما الاسباب الخفية فهى فى رمال سيناء, متساوية مع رؤوسنا المدفونة بجانبها , الأسباب التى ضربت بها الدولة القيم الاجتماعية وقوانين العُرف فى مقتل عندما أصّرت على تعيين مشايخ القبائل من ادراج مكاتب امن الدولة والمخابرات فضاعت هيبة الشيخ وسيطرتة على افراد قبيلتة والخاضعين لة بحُكم الاخلاق الاجتماعية التى تعودنا وتربينا عليها , الاسباب التى استهانت بها الدولة مع مشايخ القبائل المعيينين هى التى جعلتها تنظر الى باقى ابناء سيناء نظرة دونية , راسخة فى اذهانهم ماشربوة من الاعلام الموجة بأنهم عملاء لأسرائيل وتجار مُخدرات ومُهربى روسيات عبر الحدود والانفاق اضافة الى تجارة السلاح مما استباح لها اخذ كل من فى سيناء فى ظلم جائر وبيّن استفحل مداة بعد تفجيرات طابا ودهب وشرم الشيخ .
نفس الاسباب التى اهملت الدولة دورها الرئيسى فى حفظ الامن فى ربوع سيناء والضرب بيد من حديد على الخارجين عن القانون فيها هى التى جعلت الأمن يتعامل مع بعض هؤلاء ويضع يده فى يدهم فى مصالح مشتركة طالما كان الامر لصالحها حتى يتم لها ما تريد من ثم تقوم بسجنة او تصفيتة طالما انتهى العمل منة فأختلطت الاوراق وتاهت المصالح وضاع القانون فى الرجلين ويتم تفتيش سيارة البدوى أى سيناوى وانزالة من الميكروباص او مداهمة بيتة والقبض على حريمة فى تعدى سافر على انسانيتة بلا ادنى عقلانية .
ذد على كل هذا كلة ابناء العمومة والخالة وشركاء الارض وانسباء العرض فى تعدياتهم المالية والحياتية وما وقع من ضياع حقوق بالباطل ومعاملات قديمة تم استحضارها وتجارات مشبوهة لم يبلّغ عنها سابقاً وأراضى وعقارات وسيارات ودهب وخلافة لم تُكتب او تُوثّق , مما جعل صوت الرصاص هو الطريق الامثل وليس الوحيد لأسترجاع ما ضاع . فأصبح الرصاص صوت كرامتهم واستبدلوا البندقية بأبن العم والخالة وهكذا.
ان البدو لا ينسوا حقوقهم ولا المظلوم , كما انهم لا يعتدون على احد بالباطل وغير ذلك يكون كذب وافتراء ... وإن كان وحدث فهو حادث عرضى لا يجوز فية التعميم , كحال اى بلاد فى الدنيا , فنحن لسنا ملائكة , ولا توجد ملائكة على الارض , ولى فيهم صداقات كثيرة فنحن ابناء طينة واحدة, غير ان الاوضاع الان وما سبق ذكرة اخرج الامور عن السيطرة وفى غياب الدولة لأنشغالها بالتوريث او التمديد وتراخى سيادة القانون اصبح الانفلات الامنى "حالة " كالمرض , تحتاج فوراً الى كوّى بالنار وليس مداوتها او مسايستها وحلها الأمثل الأن هو عودة الامور الى ما تربينا علية وعودة شيخ القبيلة الراعى لأمور قبيلتة وعائلتة ورعيتة , فقوانيننا العرفية كفيلة بنا حتى تعود الدولة .. او لا تعود .. تمارس دورها فى احلال العدالة والتنمية
.
من هنا ومع الأخذ بهذة الاسباب لابد من الجلوس جميعاً " بدواً وحضراً " على رمال سيناء, ننبش ذكرى الاجداد , امام بكرج القهوة , يتحدث الكبار والعواقل حاملين فى قلوبهم الايمان بالله وإنكار الذات وحب الأوطان .. أرض الأجداد , والعودة الى خارطة الدرب القديم التى كانت تحدد العلاقة بين الظالم والمظلوم , بين المُذنب والبرىء , كى يعلم الجميع ان دمائنا ليست رخيصة علينا , وأن هذة الظاهرة لا تمت لنا بصلة , علينا ان نكون الأن أو لا نكون ابداً , شعباً متحضّر يليق بحضارة واصول الأجداد .. وانى على ثقة ويقين بأن عاداتنا وتقاليدنا لازلت حيّة لم تموت بعد
انا لا انتمى الى اى من الاحزاب والحركات السياسية المصرية على الاطلاق ولا ادعو للصلح مع الذات من منافع حزبية او سياسية ولا علاقة لى من قريب او بعيد فيما يخُص دعوتى هذة سوى لأجل الله وسيناء والوطن.
والله الموفق
خالد سعد
العريش
28-9-2010